أن تحصد كل متع الدنيا، فهذا أمر لم يتوفر لمن سبقك، ذلك أن المرء كلما طلب متعة بعثت فيه البحث عن التالي، ومن هنا فإن المتعة غالباً ما تكون في ترك المتعة، أو تأجيلها على الأقل.
من يبحث عن السعادة –وكلنا ندعي ذلك- فإن القناعة رأسها، والصبر على مافي اليد فرعها، فمن أبقى الرأس والفرع نالها، لأن الإنسان الذي لا يقنع فإنه يكون أسير الهموم والأمراض، فهو دائم البحث والتفكير في الجديد والبديل عن زوجته. إنك تزوجت هذه المرأة بعد تفحص واختيار واشتياق، فما الذي غيّر نظرتك عنها؟.
إن أردت أن تعيش سعيداً مع زوجتك فاقنع بها كما هي بسلبياتها وإيجابياتها، فليس هناك امرأة كاملة ولا رجلاً كاملاً، لأنه فوق كل ذي علم عليم، فإن كنت حصلت على جمال فهناك من هي أجمل منها ، وإن حصلت على امرأة ذات أخلاق فهناك من هي أكثر منها أخلاقاً. مشكلتنا أن نفكر دائماً بأن ما ليس في أيدينا هو أفضل مما في أيدينا، سواء في الأجهزة الإلكترونية، أو الدراسة، أو المنصب، أو الوظيفة، أو الطعام، وحتى الزواج!
نظرت امرأة عمران بن حطان من الخوارج يوماً في المرآة وكانت من أجمل النساء، فأعجبها حسنها، ثم نظرت إلى عمران وكان قبيحاً فقالت: أبا شهاب، هلمّ فانظر في المرآة، فجاء فنظر إلى نفسه وهو إلى جانبها كأنه قنفذ، ورأى وجهاً قبيحاً، فقال: هذا أردتِ؟ فقالت: إني لأرجو أن أدخل الجنة أنا وأنت، فقال بم؟ قالت: لأنك رُزقت مثلي فشكرت، ورُزقت مثلك فصبرت، والشاكر والصابر في الجنة» وتلك قناعتها.
ولكن لماذا لا يقنع الناس؟.
أظن أن هناك مجموعة من الأسباب مثل:
1- مثالية التفكير نحو زوجة المستقبل، فحينما يفكر بأن زوجته ستكون أجمل نساء العالم، فما أن يختلط بهذا الجمال فإنه يبدأ بالبحث عن جمال أروع من زوجته.
2- في حال التماس الأخلاق عملياً مع بعضهما البعض، ممكن أن يرى أحد الزوجين قصوراً وعدم تكامل في الأخلاق، فيقارن بأخلاقيات زوجات آخرين.
3- النظرة المثالية نحو عش الزوجية، بأنه ليس هناك مشاكل ولا متاعب ولا اختلافات، فما أن يحدث الاختلاف يبدأ بالمقارنة بما كان يتصوره ويرسمه في عقله، فتتكون حالة عدم القناعة.
4- عندما يكون أحد الزوجين من محبي المال فما أن يرى زوجاً آخر يتمتع بالغنى والثروة فإنه قد يخلق المشكلات لقرينه حتى يمل منه ويلتحق بأغنى.
5- حينما يضعف التمسك بالقيم الإسلامية لدى الزوج ويشاهد ما هبّ ودبّ في الفضائيات من إباحية، الأمر الذي قد يكرس فيه حالة عدم القناعة بزوجته لأنه يريد أن يحقق ما رآه على واقع حياته.
هنا ينبغي التوسل بالتالي للتخلص من هذه الحالة للحصول على القناعة:
1- الثقة التامة بأن اختياري لزوجتي كان ناجحاً، وبأن الإنسان لا يقنع، مهما ما وصل إليه.
2- ليس هناك كمال بشري، وأن الآخرين كذلك لديهم مشكلاتهم ونواقصهم.
3- أفضل الطرق هو السعي عملياً لسدّ نواقص وقصور زوجتي ورسم ملامح شخصيتها بحسب ما أتصوره.
4- التأكيد الدائم على أن هذا هو اختياري، وهذا هو ذوقي، وكنت راضياً عنه منذ البداية، فإن هذا الإيحاء الإيجابي يكفيك لتتغلب على الصراع النفسي الذي يدور بداخلك.
5- حينما تكون هناك اختلافات وفوارق كبيرة بين الشخصيتين سواء في التوجهات أو في التعليم، أو البيئة التي عاشاها الطرفان.
نحن مدعوون إلى غرس القناعة من طريقة التفكير التي نشأنا عليها، وهي تلك الطريقة التي تشعر بالهزيمة النفسية، والشعور بعقدة النقص وعدم الكمال، ثم ننسى بأن الزواج مشروع للتكامل بين الزوجين..ومن هنا نستطيع أن نبدأ الخطوة الأولى نحو السعادة والرضا. «وارضَ بما قسم الله لك، تكن أغنى الناس» والغنى هو الرضا بكل مافي يديك.