لا حول ولا قوة ألا بالله ،، فضلها ،، ومعناها ،، وتصحيح خطأ مشهور في فهمها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد
1ــ فضل لا حول ولا قوة ألا بالله:
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبّرنا، وفي رواية: فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نعلو شرفاً ولا نهبط في واد إلاّ رفعنا أصواتنا بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس! اربعوا على أنفسكم؛ فإنَّكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، ولكن تدعون سميعاً بصيراً"، ثم أتى عليّ وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، فقال: "يا عبد الله بن قيس! قل: لا حول ولا قوة إلاّ بالله ؛ فإنَّها كنزٌ من كنوز الجنة"، أو قال: "ألا أدلك على كلمة هي كنزٌ من كنوز الجنة"؟ لا حول ولا قوة إلاّ بالله". ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير معلم لأمته، فلا يراهم على الخير إلاّ أحبّ لهم المزيد من ذلك الخير، فأحب صلى الله عليه وسلم للذين رفعوا أصواتهم بكلمة الإخلاص والتكبير أن يضيفوا إليها التبري من حولهم وقوتهم، فيجمعوا بين التوحيد والإيمان بالقدر.
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته" [صحيح البخاري] .
ـــ وعن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" [أحمد وابن ماجه وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات].
وعن قيس بن سعد بن عبادة: أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه، قال فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت فضربني برجله وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة قلت: بلى قال: لا حول ولا قوة إلا بالله" [الترمذي وصححه هو والألباني] .
ــ وعن سعد قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علمني كلاما أقوله، قال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد الله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم"، قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني، وارزقني" [مسلم] .
ــ وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال [يعني إذا خرج من بيته]: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان" [الترمذي وصححه هو والألباني].
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما على الأرض أحد يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر" [الترمذي وحسنه هو والألباني].
ــ وقد جاء في فضلها أيضا: "إذا قال العبد: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، قال الله: أسلم واستسلم" [الحاكم، وقوى إسناده الحافظ ابن حجر]. وفي رواية: "ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم" [الحاكم وقال: صحيح ولا يحفظ له علة، ووافقه الذهبي]. ومعنى الكنز أنَّه ثواب مدخرٌ في الجنة، وهو ثوابٌ نفيسٌ كما أنَّ الكنز أنفس الأموال عند أهلها، فهي كنزٌ من كنوز الجنة من حيث أنَّه يُدّخرُ لصاحبها من الثواب ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا؛ لأنَّ من شأن الكانز أن يعد كنزه لخلاصه مما ينوبه والتمتع به فيما يلائمه. ــ وورود الأمر بالإكثار منها والإخبار أنَّها من غراس الجنة، فقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به على إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقال له: "يا محمد مُرْ أمَّتَك أن يكثروا من غراس الجنة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلاّ بالله" [أحمد وابن حبان]. فهذه بعض فضائلها، وفضائلها كثيرة جدا، رزقنا الله تعالى وإياكم الإكثار منها، ورزقنا فضلها وخيرها وثوابها بمنه وكرمه وإحسانه.
2ــ معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) :
اصطلح العلماء على تسميتها بــ(الحوقلة)، كما اصطلحوا على تسمية عبارة: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) بــ(الحيعلة أو الحيعلتين)، واصطلحوا كذلك على تسمية: (بسم الله الرحمن الرحيم) بــ(البسملة) ، وكذلك عبارة : (الحمد لله رب العالمين) بــ(الحمدلة) وكذلك عبارة: (أطال الله بقاءك) بــ(الطلبقة) والحَوْلُ: هو التحول، والتحول هو تغير الحال، بمعنى أن يكون الإنسان على حال معينة كالحزن مثلا، فيتحول منها إلى حال الفرح، فهذا التغير في الحال يسمى بــ(التحول أو الحول). وعلى ذلك فمعنى قولك: لا حول ولا قوة إلا بالله: أي: لا تحول للعبد من حال إلى حال, ولا قوة له على ذلك إلا بالله تعالى رب العالمين.
ــ فلا تحول للعبد من الحزن إلى الفرح إلا بالله وبإذن الله، ولا يعينه على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
ــ لا تحول للعبد من الذل إلى العز إلا بالله، ولا قوة له إلا بالله: أي ولا يعينه على هذا التحول إلا الله سبحانه وتعالى.
ــ لا تحول لك من المعصية إلى الطاعة إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله سبحانه وتعالى.
ــ لا تحول من المرض إلى الشفاء إلا بالله وبإذن الله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله سبحانه وتعالى.
ــ لا تحول من الفقر إلى الغنى إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله سبحانه وتعالى.
ــ لا تحول من العزوبة إلى الزواج إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله.
ــ لا تحول لك من الفشل إلى النجاح إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله سبحانه وتعالى.
ــ لا تحول من الهزيمة إلى النصر إلا بالله، ولا يعينك على هذا التحول إلا الله سبحانه وتعالى.
وقس على ذلك كل تحول من شيء مكروه للنفوس، إلى شيء آخر محبوب، فهذه العبارة في حقيقتها استعانة بالله تعالى على ترك الشر والابتعاد عن كل ما يحزن أو يضر، واستعانة بالله أيضا على فعل الخير والتحول إلى الحال الحسنة المحمودة في الدين والدنيا والاستمرار عليها.
فمن أراد معونة الله على أمر يحبه ويريده فعليه أن يكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فقد ورد الحديث بذلك كما سيأتي في فضلها، وأنها كنز من كنوز الجنة.
3ــ تصحيح خطأ شائع في فهم معنى(لا حول ولا قوة إلا بالله):
قد قدمنا أن كلمة: (لا حـول ولا قـوة إلا بالله) هي كلمة استعانة بالله تعالى، ويخطئ كثير من الناس فيستعملونها في معنى الاسترجاع، أو بدلا من الاسترجاع. والاسترجاع: هو قولك: (إنا لله وإنا إليه راجعون) وهذا يقال عند المصيبة، أعاذنا الله وإياكم من جميع المصائب والبلايا. ومعنى (إنا لله وإنا إليه راجعون) أي: إنا لله عبيد، أو إنا لله مملوكون، وإنا إليه راجعون، أي: لنحاسب ونجازى على أفعالنا، فكلنا لله تعالى، يفعل بنا ما يشاء ويحكم ما يريد، فإننا سنرجع إليه، لتجازى كل نفس بما فعلت، وتكافأ بما صبرت، فإن كان خيرا فلها السلام، وإن كان شرا فعليها الملام. فهذه تقال عند حلول المصيبة، فيسلو بها الإنسان بإذن الله تعالى وتخف عنه بلواه.
وأما كلمة: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فهي كلمة استعانة .. طلب عون من الله، فبعض الناس يخطئ ويستخدمها بدل (إنا لله وإنا إليه راجعون) .
فمثلا: إذا مات له ميت أو حصل عليه حادث سيارة فإنه يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) !! وهذا خطأ، لأنه يستخدمها مكان الاسترجاع، بدلا من أن يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) وهذا من الغلط في فهم معاني الأذكار ودلالاتها وأوقاتها التي يحسن أو يناسب أن تقال فيه.
ومن هنا ينبغي على المسلم إذا هم بسفر مثلا وخرج من بيته أن يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، يقصد بها استعانة بالله أنه لا يمكنه التحول من مكانه إلى مكان آخر إلا بالله. فهي كلمة استعانة.
وإذا عزم على إنجاز شغل، أو أداء عمل يجب عليه أداؤه مثلا ، ينبغي عليه أن يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، يقصد بها استعانة بالله أنه لا يمكنه التحول من هذا الحال إلى حال إنجاز العمل إلا بالله تعالى. وهكذا.
فهي كلمة استسلام وتفويض الإنسان أمره لله تبارك وتعالى، واستعانة بالله، أي طلب العون من الله جل جلاله والمساعدة والقوة على ما عزم على أدائه.
ــ فلا تحول إذن من مـرض إلى صحة، ومن ضلال إلى هداية، ومن كفر إلى إيمان، ومن ضعف إلى قـوة، ومن وهاء إلى شدة إلا بالله سبحانه وتعالى، فأمور الإنسان كلها وأحواله جميعها بيد الله جل وعلا.
ولهذا شُرع لنا إذا قال المؤذن: (حي على الصلاة حي على الفلاح) يعني تعالوا إلى الصلاة، وتعالوا إلى نيل الفلاح الذي ترتب على فعلكم للصلاة شُرع لنا أن نقول عند سماعنا لهذا النداء: (لا حول ولا قوة إلا بالله) أي نطلب من الله أن يعيننا، على أداء تلك الطاعة، والفوز بذلك الفلاح ، يعني (لا حول ولا قوة إلا بالله) طلب إعانة.
ــ وكذلك يشرع للمسلم إذا خرج من بيته أن يقول: (بِاسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله) كل مرة يخرج من بيته يُسن له أن يقول ذلك، وهذا فيه طلب العون، أن يعينه الله عز وجل على ما هو قادمٌ عليه من مصالح دينه ودنياه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى وغفر له: "هذه الجملة ليست كلمة استرجاع كما يظنه بعض العامة ولكنها كلمة استعانة". وسئل رحمه الله: ما معنى لا حول ولا قوة إلا بالله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى لا حول ولا قوة إلا بالله لا تحول من حال إلى حال، فحول بمعنى التحول يعني لا أحد يملك أن يتحول من حال إلى حال ولا أحد يقوى على ذلك إلا بالله عز وجل يعني إلا بتقدير الله والاستعانة به ولهذا نجد الإنسان يريد الشيء ثم يحاول أن يحصل عليه ولا يحصل لأن الله لم يرد ذلك ونرى أيضاً كثيراً من الناس إذا أرادوا الشيء واستعانوا بالله وفوضوا الأمر إليه فإن الله تعالى يعينهم وييسر لهم الأمر ومن ثم كان ينبغي للإنسان إذا أجاب المؤذن أن يقول عند قول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله يعني لا أستطيع أن أتحول من حالي التي أنا عليها إلى الصلاة ولا أقوى على ذلك إلا بالله عز وجل فهي كلمة استعانة يستعين بها الإنسان على مراده" أ.هـ [نور على الدرب ش22أ ] .
اللهم إني أعوذ بك أن أقول زورا، أو أغشى فجورا، أو أن أكون بك مغرورا. اللهم اجعلني شكورا، واجعلني صبورا، واجعلني في عيني صغيرا، وفي أعين الناس كبيرا. اللهم صل على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. وارض اللهم عنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ....