(قصة واقعية مأخوذة بتصرف من العيادة النفسية )
الدكتور حسان المالح
استشاري الطب النفسي / جدة
طفل ذكر وعمره ست سنوات ، استيقظ من النوم بعد الغداء بعد حلم مزعج وحركات وكلام أثناء النوم .. وعندما استيقظ قال لأمه " أريد أن أذهب إلى الجنة لأن فيها كل شيء " .. وكرر ذلك وأنه يريد الجنة ..
وقد انزعجت الأم وتشاءمت من هذا الكلام .. ومن تفسيراتها أن الأطفال قد " كشف عنهم الحجاب " وأنهم " قد يعرفون الأشياء قبل حدوثها " وأن كلام الطفل يعني " أنه سوف يموت ويذهب إلى الجنة قريباً " .. وازداد قلق الأم وتوترها وأصبحت خائفة مما يمكن أن يحدث لطفلها .. وقررت أن تستشير طبيباً نفسياً حول هذا الموضوع .
وتبين من الفحص النفسي والمعلومات المتوفرة حول الطفل وأسرته ، أنه طبيعي تماماً في مختلف جوانب حياته ونموه .. وتبين أنه قد بدأ منذ أسابيع في السنة الأولى الابتدائية ، وهو يحب مدرسته والأطفال الآخرين والمدرسين ، ويقوم بواجباته المدرسية بشكل متفوق . وفي دروس القرآن الكريم حفظ عدة سور وآيات وفيها ذكر الجنة ونعيمها .
وتبين أيضاً أن له أخاً يكبره بسنتين وأنه ينافس أخاه الأكبر في إتقان الرسم وفي الألعاب المختلفة وبشكل اعتيادي ومقبول .
وفي نفس اليوم الذي حدث فيه الحلم وقال بأنه " يريد من الله أن يأخذه إلى الجنة " كان الأب قد اشترى للأخين سكيناً صغيرة لتقشير الفواكه كي يتعلما تقشير التفاح .. وقد تعلم الأخ الأكبر ذلك بسرعة واستطاع تقشير جزء من التفاحة دون صعوبة .. أما الأخ الأصغر صاحب الحلم فقد وجد صعوبة في ذلك ولم ينجح في هذه المهمة الصعبة .. وأبدى قليلاً من الانزعاج وحاول الالتفات إلى أمور أخرى غير التقشير وبعدها نام وحلم بالجنة ..
وعندما طلب الطبيب النفسي من الطفل أن يحدثه عن الحلم وماذا يعني الذهاب إلى الجنة بالنسبة إليه .. أوضح الطفل ببراءة وعفوية أنه في الجنة يستطيع أن يطلب أي شيء ويحصل عليه دون تعب أو انزعاج .. وسأله الطبيب مالذي تريد أن تطلبه مثلاً .. فقال " فواكه مقشرة " ..
وعندها تبسمت الأم واندهشت مما حدث من حوار وانتهت المقابلة بالاطمئنان والراحة دون الحاجة إلى جلسات أخرى .
وبالطبع فإن التفسير العلمي لما حدث للطفل أنه شعر بالإحباط والغيظ والقلق من عدم قدرته على استعمال سكين الفواكه في التقشير وانزعج أيضاً من تفوق أخيه في ذلك .. وقد استطاع أن يخفف من انزعاجاته وتوتره من خلال الحلم المرتبط بالجنة والكلمات التي قالها لأمه تعويضاً وتعبيراً واضحاً وبسيطاً عن ذلك .
ومما لاشك فيه أن تسرع الأم وقلقها حول عبارات الطفل وتفسيراتها السلبية الخطيرة والتي لاأساس علمي لها كان السبب وراء التعرف على ما يجري في داخل الطفل وعقله وأحلامه وكلامه .. وهكذا معظم الأطفال وأحلامهم ..
ورب ضارة نافعة .. أي أن قلق الأم ورعبها أدى إلى التعرف على أشياء مفيدة نافعة .