إن ولادة طفل معاق للأسرة يؤثر على أفرادها جميعاً، ولكن الوالدين هما الطرف الأكثر تأثراً كونهما يمران بجملة من الضغوط النفسية والانفعالية وتقع على كاهلهم الأعباء المادية التي تترتب على هذه الإعاقة ، إضافة إلى رحلتهما الطويلة بين البرامج التربوية والعلاجية التي ينصح بها الاختصاصيين، مما قد ينعكس على العلاقة بين الوالدين ودور كل منهما فيها ، ويؤثر بالتالي على مستوى تفاعل الأسرة وتكيفها مع المحيط الاجتماعي .
ومن الملاحظ أن ردود فعل الأسرة نحو طفلها المعاق تبدأ من فترة الحمل وقبل خروج الطفل إلى النور، حيث تسيطر على الأم المخاوف والشكوك بمجرد إخبارها أن ابنها التي تحمل به معاقاً ، فتتحسب لمواجهة مشكلات أثناء الولادة ، وتتخوف فيما إذا ستكون الولادة طبيعية أم لا، وتزداد مخاوف الأم إذا كانت قد تعرضت لخبرات سابقة، وبشكل عام تمر ردود فعل الأسرة تجاه طفلها المعاق بعدة مراحل أهمها :
-صدمة الوالدين من جراء وجود طفل معاق في الأسرة حيث الإرباك والقلق ، والتعبير عن الصدمة بعبارات عدم التصديق وعدم معرفة كيفية التصرف في مثل هذا الموقف .
-نكران وجود إعاقة عند ابنهم حيث يعزون الأمر لخلل في عملية التشخيص ويبحثون خلال هذه الفترة عن مصادر أخرى تثلج صدورهم وتنفي لهم حقيقة أن ابنهم معاق، وفي هذه المرحلة ينظر الأهل لأنماط السلوك الايجابية عند الطفل ويبالغون في تقييمها ، ويتجاهلون أنماط السلوك السلبية كنوع من الهروب من حقيقة إعاقة ابنهم .
- شعور الزوجين بالذنب تجاه طفلهما لأنهما لم يتخذا الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع حدوث الإعاقة، وقد يلوم كل طرف الآخر ويحمله مسؤولية التسبب في هذه الإعاقة .
-الغضب وإسقاط اللوم على الأطباء أو على الأجهزة الطبية المستخدمة أو الأدوية الخاطئة التي وصفها الطبيب والتي تسببت بالإعاقة .
-المبالغة في تبني الآمال والآمال غير القابلة للتحقيق وتجريب علاجات ليس لها أي أساس علمي .
- العزلة عن المحيط الاجتماعي وعدم الرغبة في التفاعل معه من أجل تجنب أسئلة الآخرين المحرجة، وكتمان وجود طفل معاق في الأسرة أحياناً .
- تقبل الطفل المعاق واعتراف الأهل بالحقيقة، والتعامل مع الموضوع بلا خجل والإقبال على البرامج التربوية والعلاجية والمشاركة فيها ، إلا أن هذه المرحلة قد تتأخر للأسف عند بعض الأسر، ما يؤخر ويقلل من استفادة الطفل المعاق من البرامج التربوية والعلاجية في وقت مبكر من حياته .
ولا شك أن هذه المراحل تترك آثارها السلبية بعيدة المدى على الزوجين قد تصل إلى التوتر المزمن في العلاقة بينهما، ما يؤثر على قدرتهما في مواجهة التحديات القادمة ، ويزداد تأثير الضغوط التي يفرضها وجود المعاق على الأسرة مع تقدمه في العمر ومع زيادة متطلباته الحياتية ، واقترابه من سن الزواج وبحثه عن فرصة عمل ملائمة. وقد تتخبط الأسرة في كيفية التعامل مع هذا الطفل خاصة عندما تواجهه مشكلات سلوكية لم تمر عليهما من قبل كالنشاط الزائد والعدوان وإتلاف الممتلكات ، وقد يتبعون أساليب متذبذبة في المعاملة تتراوح بين الحماية الزائدة التي تقيد حركة الطفل ، وبين القسوة التي تفاقم من حدة هذه المشكلات .
وفي كثير من الحالات لا يتحمل الأب عبء الضغوط النفسية والاقتصادية على كاهله فيلجأ إلى الهروب من البيت ، أو الانفصال عن زوجته .
ومن أجل مواجهة هذه الضغوط والتخفيف من حدتها قبل تفاقمها يمكن للأسرة أن تسترشد بالنقاط التالية
- تقبل النتائج التي صدرت عن مختص مؤهل في هذا الجانب، واتباع إرشاداته ، من أجل المسارعة في تقديم البرامج التربوية والعلاجية للطفل في الوقت المناسب ، والتفكير في إيجاد حلول عملية للمشكلة بدلاً من لوم الذات أو الآخرين.
- عدم الخجل من وجود طفل معاق في الأسرة لأن ذلك قضاء وقدر من الله سبحانه وتعالى ويجب أن نقبل به ، وإن كتمان هذا الأمر سيدخل الأسرة في عزلة عن محيطها الاجتماعي ، وسيفوّت عليها الاستفادة من الكثير من الفرص التي يحتاجها أفرادها للتعايش والتواصل السليم الذي تفرضه علينا طبيعتنا البشرية، حيث أثبتت الخبرة العملية أن فترة الكتمان لن تطول مهما حاولت الأسرة ذلك .
- ترتيب مسؤوليات رعاية وتربية الطفل المعاق بين الوالدين والأخوة ، وعدم إلقاء الحمل على الأم وحدها، حيث أن المعاق بحاجة لمشاركة كل أفراد الأسرة صغاراً وكباراً في البرامج المقدمة له ليشعر بالدمج الكامل
- ضرورة تواصل الأسرة مع المؤسسة التي تقدم خدماتها لذوي الاحتياجات الخاصة، والانضمام إلى مجموعات الدعم الذاتي ، والتعرف على تجارب الآخرين والاستفادة منها ، والحصول على المساندة النفسية والاجتماعية من الأسر الأخرى .
- الإيمان بقدرات الشخص المعاق وتقبله كما هو ، والأمل بإمكانية تطور قدراته على أن تبقى التوقعات ضمن حدود الواقع وليست خارقة للعادة ، وعدم اللجوء إلى أي وسائل غير علمية من أجل العلاج .
- استمرار الحصول على المعرفة من أصحابها ومصادرها المتنوعة ، وسعة الاطلاع حول المستجدات العلمية ذات العلاقة بحالة الطفل